الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»
.تفسير الآيات (1- 4): {حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (4)}قوله تعالى: {حم} اختلف في معناه، فقال عكرمة: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «{حم} اسم من أسماء الله تعالى وهي مفاتيح خزائن ربك» قال ابن عباس: {حم} اسم الله الأعظم. وعنه: {الر} و{حم} و{ن} حروف الرحمن مقطعة. وعنه أيضا: اسم من أسماء الله تعالى أقسم به.وقال قتادة: إنه اسم من أسماء القرآن. مجاهد: فواتح السور.وقال عطاء الخراساني: الحاء افتتاح اسمه حميد وحنان وحليم وحكيم، والميم افتتاح اسمه ملك ومجيد ومنان ومتكبر ومصور، يدل عليه ما روى أنس أن أعرابيا سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما {حم} فإنا لا نعرفها في لساننا؟ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «بدء أسماء وفواتح سوره» وقال الضحاك والكسائي: معناه قضي ما هو كائن. كأنه أراد الإشارة إلى تهجى {حم}، لأنها تصير حم بضم الحاء وتشديد الميم، أي قضي ووقع.وقال كعب بن مالك:وعنه أيضا: إن المعنى حم أمر الله أي قرب، كما قال الشاعر: ومنه سميت الحمى، لأنها تقرب من المنية. والمعنى المراد قرب نصره لأوليائه، وانتقامه من أعدائه كيوم بدر.وقيل: حروف هجاء، قال الجرمي: ولهذا تقرأ ساكنة الحروف فخرجت مخرج التهجي وإذا سميت سورة بشيء من هذه الحروف أعربت، فتقول: قرأت {حم} فتنصب، وقال الشاعر: وقرا عيسى بن عمر الثقفي: {حم} بفتح الميم على معنى اقرأ حم أو لالتقاء الساكنين. ابن أبي إسحاق وأبو السمال بكسرها. والإمالة والكسر للالتقاء الساكنين، أو على وجه القسم. وقرأ أبو جعفر بقطع الحاء من الميم. الباقون بالوصل. وكذلك في {حم عسق}. وقرأ أبو عمرو وأبو بكر وحمزة والكسائي وخلف وابن ذكوان بالإمالة في الحاء. وروي عن أبي عمرو بين اللفظين وهي قراءة نافع وأبي جعفر وشيبة. الباقون بالفتح مشبعا. قوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتابِ} ابتداء والخبر {مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}. ويجوز أن يكون {تَنْزِيلُ} خبرا لمبتدإ محذوف، أي هذا {تَنْزِيلُ الْكِتابِ}. ويجوز أن يكون {حم} مبتدأ و{تنزيل} خبره والمعنى: أن القرآن أنزله الله وليس منقولا ولا مما يجوز أن يكذب به. قوله تعالى: {غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ} قال الفراء: جعلها كالنعت للمعرفة وهي نكرة.وقال الزجاج: هي خفض على البدل. النحاس: وتحقيق الكلام في هذا وتلخيصه أن {غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ} يجوز أن يكونا معرفتين على أنهما لما مضى فيكونا نعتين، ويجوز أن يكونا للمستقبل والحال فيكونا نكرتين ولا يجوز أن يكونا نعتين على هذا ولكن يكون خفضهما على البدل، ويجوز النصب على الحال، فأما {شَدِيدِ الْعِقابِ} فهو نكره ويكون خفضه على البدل. قال ابن عباس: {غافِرِ الذَّنْبِ} لمن قال: {لا إله إلا الله} {وَقابِلِ التَّوْبِ} ممن قال: {لا إله إلا الله} {شَدِيدِ الْعِقابِ} لمن لم يقل: {لا إله إلا الله}.وقال ثابت البناني: كنت إلى سرادق مصعب بن الزبير في مكان لا تمر فيه الدواب، قال: فاستفتحت {حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} فمر علي رجل على دابة فلما قلت {غافِرِ الذَّنْبِ} قال: قل يا غافِرِ الذَّنْبِ اغفر لي ذنبي، فلما قلت: {قابِلِ التَّوْبِ} قال:قل يا قابل التوب تقبل توبتي، فلما قلت: {شَدِيدِ الْعِقابِ} قال: قل يا شديد العقاب اعف عني، فلما قلت: {ذِي الطَّوْلِ} قال: قل يا ذا الطول طل علي بخير، فقمت إليه فأخذ ببصري، فالتفت يمينا وشمالا فلم أر شيئا.وقال أهل الإشارة: {غافِرِ الذَّنْبِ} فضلا {وقابِلِ التَّوْبِ} وعدا {شَدِيدِ الْعِقابِ} عدلا {لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} فردا. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه افتقد رجلا ذا بأس شديد من أهل الشام، فقيل له: تتابع في هذا الشراب، فقال عمر لكاتبه: اكتب من عمر إلى فلان، سلام عليك، وأنا أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} ثم ختم الكتاب وقال لرسوله: لا تدفعه إليه حتى تجده صاحيا، ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة، فلما أتته الصحيفة جعل يقرؤها ويقول: قد وعدني الله أن يغفر لي، وحذرني عقابه، فلم يبرح يرددها حتى بكى ثم نزع فأحسن النزع وحسنت توبته. فلما بلغ عمر أمره قال: هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أحدكم قد زل زلة فسددوه وادعوا الله له أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعوانا للشياطين عليه. و{التَّوْبِ} يجوز أن يكون مصدر تاب يتوب توبا، ويحتمل أن يكون جمع توبة نحو دومة ودوم وعزمة وعزم، ومنه قوله: ويجوز أن يكون التوب بمعنى التوبة. قال أبو العباس: والذي يسبق إلى قلبي أن يكون مصدرا، أي يقبل هذا الفعل، كما تقول قالا قولا، وإذا كان جمعا فمعناه يقبل التوبات. {ذِي الطَّوْلِ} على البدل وعلى النعت، لأنه معرفة. واصل الطول الأنعام والفضل يقال منه: اللهم طل علينا أي أنعم وتفضل. قال ابن عباس: {ذِي الطَّوْلِ} ذي النعم.وقال مجاهد: ذي الغنى والسعة، ومنه قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} [النساء: 25] أي غنى وسعة. وعن ابن عباس أيضا: {ذِي الطَّوْلِ} ذي الغنى عمن لا يقول لا إله إلا الله.وقال عكرمة:{ذِي الطَّوْلِ} ذي المن. قال الجوهري: والطول بالفتح المن، يقال منه طال عليه وتطول عليه إذا امتن عليه.وقال محمد بن كعب: {ذِي الطَّوْلِ} ذي التفضل، قال الماوردي: والفرق بين المن والتفضل أن المن عفو عن ذنب. والتفضل إحسان غير مستحق. والطول مأخوذ من الطول كأنه طال بإنعامه على غيره.وقيل: لأنه طالت مدة إنعامه. {لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} أي المرجع. قوله تعالى: {ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} سجل سبحانه على المجادلين في آيات الله بالكفر، والمراد الجدال بالباطل، من الطعن فيها، والقصد إلى إدحاض الحق، وإطفاء نور الله تعالى. وقد دل على ذلك في قوله تعالى: {وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} [غافر: 5]. فأما الجدال فيها لإيضاح ملتبسها، وحل مشكلها، ومقادحة أهل العلم في استنباط معانيها، ورد أهل الزيغ بها وعنها، فأعظم جهاد في سبيل الله. وقد مضى هذا المعنى في البقرة عند قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ} [البقرة: 258] مستوفى. {فَلا يَغْرُرْكَ} وقرئ: {فلا يغرك} {تَقَلُّبُهُمْ} أي تصرفهم {فِي الْبِلادِ} فإني إن أمهلتهم لا أهملهم بل أعاقبهم. قال ابن عباس: يريد تجارتهم من مكة إلى الشام وإلى اليمن.وقيل: {فَلا يَغْرُرْكَ} ما هم فيه من الخير والسعة في الرزق فإنه متاع قليل في الدنيا.وقال الزجاج: {فَلا يَغْرُرْكَ} سلامتهم بعد كفرهم فإن عاقبتهم الهلاك.وقال أبو العالية: آيتان ما أشدهما على الذين يجادلون في القرآن: قوله: {ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا}، وقوله: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ} [البقرة: 176]. .تفسير الآيات (5- 9): {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (5) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (6) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)}قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} على تأنيث الجماعة أي كذبت الرسل. {وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ} أي والأمم الذين تحزبوا عل أنبيائهم بالتكذيب نحو عاد وثمود فمن بعدهم. {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ} أي ليحبسوه ويعذبوه وقال قتادة والسدي: ليقتلوه. والأخذ يرد بمعنى الإهلاك، كقوله: {ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ} [الحج: 44]. والعرب تسمي الأسير الأخيذ، لأنه مأسور للقتل، وأنشد قطرب قول الشاعر:وفي وقت أخذهم لرسولهم قولان: أحدهما عند دعائه لهم.الثاني عند نزول العذاب بهم. {وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} أي ليزيلوا. ومنه مكان دحض أي مزلقة، والباطل داحض، لأنه يزلق ويزل فلا يستقر. قال يحيى بن سلام: جادلوا الأنبياء بالشرك ليبطلوا به الإيمان. {فَأَخَذْتُهُمْ} أي بالعذاب. {فَكَيْفَ كانَ عِقابِ} أي عاقبة الأمم المكذبة. أي أليس وجدوه حقا. قوله تعالى: {وَكَذلِكَ حَقَّتْ} أي وجبت ولزمت، مأخوذ من الحق لأنه اللازم. {كَلِمَةُ رَبِّكَ} هذه قراءة العامة على التوحيد. وقرأ نافع وابن عامر: {كلمات} جمعا.{عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ} قال الأخفش: أي لأنهم وبأنهم. قال الزجاج: ويجوز إنهم بكسر الهمزة. {أَصْحابُ النَّارِ} أي المعذبون بها وتم الكلام. ثم ابتدأ فقال: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} ويروى: أن حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى ورءوسهم قد خرقت العرش، وهم خشوع لا يرفعون طرفهم، وهم أشراف الملائكة وأفضلهم. ففي الحديث: «الله تبارك وتعالى أمر جميع الملائكة أن يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلا لهم على سائر الملائكة». ويقال: خلق الله العرش من جوهرة خضراء، وبين القائمتين من قوامه خفقان الطير المسرع ثمانين ألف عام.وقيل: حول العرش سبعون ألف صف من الملائكة يطوفون به مهللين مكبرين، ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام، قد وضعوا أيديهم على عواتقهم، ورافعين أصواتهم بالتهليل والتكبير، ومن ورائهم مائة ألف صف، وقد وضعوا الإيمان على الشمائل، ما منهم أحد إلا وهو يسبح بما لا يسبح به الآخر. وقرأ ابن عباس: {العرش} بضم العين، ذكر جميعه الزمخشري رحمه الله.وقيل: اتصل هذا بذكر الكفار، لأن المعنى والله أعلم- {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} ينزهون الله عز وجل عما يقوله الكفار {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} أي يسألون لهم المغفرة من الله تعالى. وأقاويل أهل التفسير على أن العرش هو السرير، وأنه جسم مجسم خلقه الله عز وجل، وأمر ملائكة بحمله، وتعبدهم بتعظيمه والطواف به، كما خلق في الأرض بيتا وأمر بني آدم بالطواف به واستقباله في الصلاة.وروى ابن طهمان، عن موسى بن عقبة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسير سبعمائة عام» ذكره البيهقي وقد مضى في البقرة في آية الكرسي عظم العرش وأنه أعظم المخلوقات.وروى ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن كعب الأحبار أنه قال: لما خلق الله تعالى العرش قال: لن يخلق الله خلقا أعظم مني، فاهتز فطوقه الله بحية، للحية سبعون ألف جناح، في الجناح سبعون ألف ريشة، في كل ريشة سبعون ألف وجه، في كل وجه سبعون ألف فم، في كل فم سبعون ألف لسان. يخرج من أفواهها في كل يوم من التسبيح عدد قطر المطر، وعدد ورق الشجر، وعدد الحصى والثرى، وعدد أيام الدنيا وعدد الملائكة أجمعين، فالتوت الحية بالعرش، فالعرش إلى نصف الحية وهي ملتوية به.وقال مجاهد: بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب، حجاب نور وحجاب ظلمة، وحجاب نور وحجاب ظلمة. {رَبَّنا} أي يقولون {رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً} أي وسعت رحمتك وعلمك كل شيء فلما نقل الفعل عن الرحمة والعلم نصب على التفسير {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا} أي من الشرك والمعاصي {وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} أي دين الإسلام {وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ} أي اصرفه عنهم حتى لا يصل إليهم. قال ابراهيم نخعي: كان أصحاب عبد الله يقولون الملائكة خير ن ابن الكواء هم يستغفرون لمن في الأرض وابن الكواء يشهد عليهم بالكفر. قال ابراهيم: وكانوا يقولون لا يحجبون الاستغفار عن أحد من أهل القبلة.وقال مطرف بن عبد الله: وجدنا أنصح عباد الله لعباد الله الملائكة ووجدنا أغش عباد الله لعباد الله الشيطان وتلا هذه الآية.وقال يحيى بن معاذ الرازي لأصحابه في هذه الآية: افهموها فما في العالم جنة أرجى منها ان ملكا واحدا لو سأل الله أن يغفر لجميع المؤمنين لغفر لهم، كيف وجميع الملائكة وحملة العرش يستغفرون للمؤمنين.وقال خلف بن هشام البزاز القاري. كنت أقرأ على سليم بن عيسى فلما بلغت {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} بكى ثم قال: يا خلف ما أكرم المؤمن على الله نائما على فراشه والملائكة يستغفرون له. قوله تعالى: {رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ} يروى أن عمر بن الخطاب قال لكعب الأحبار: ما جنات عدن. قال: قصور من ذهب في الجنة يدخلها النبيون والصديقون والشهداء وأئمة العدل. {الَّتِي وَعَدْتَهُمْ} {التي} في محل نصب نعتا للجنات. {وَمَنْ صَلَحَ} {من} في محل نصب عطفا على الهاء والميم في قوله: {وَأَدْخِلْهُمْ}. {وَمَنْ صَلَحَ} بالإيمان {مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} وقد مضى في {الرعد} نظير هذه الآية. قال سعيد بن جبير: يدخل الرجل الجنة، فيقول: يا رب أين أبي وجدي وأمي؟ وأين ولدي وولد ولدي؟ وأين زوجاتي؟ فيقال إنهم لم يعملوا كعملك، فيقول: يا رب كنت أعمل لي ولهم، فيقال أدخلوهم الجنة. ثم تلا: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} إلى قوله: {وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ}. ويقرب من هذه الآية قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21]. قوله تعالى: {وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ} قال قتادة: أي وقهم ما يسوءهم، وقيل: التقدير وقهم عذاب السيئات وهو أمر من وقاه الله يقيه وقاية بالكسر، أي حفظه. {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ} أي بدخول الجنة {وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} أي النجاة الكبيرة.
|